مقال راكيتا، القلب النابض لصناعة الساعات الروسية

ساعات تحتضن المستقبل محافظة على التصميم الروسي البسيط والقوي

خلال الحقبة السوفييتية، كان راكيتا مصنعًا ضخمًا للساعات ولم يتوقف عن العمل رغم كل الأزمات. ومع ذلك، فإن هذه الشركة التي يقع مقرها في سانت بطرسبرغ تقف الآن محافظة على مجدها السابق، فبعد التحول الصعب إلى اقتصاد السوق وما عانت منه المؤسسات السوفياتية، تم إحياء راكيتا وتحويلها إلى شركة مصنعة تفتخر بتراثها، وتحتضنها بكل إخلاص.

راكيتا الشركة التي يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر، وبأمر من القيصر بطرس الأول تم إنشاء مصنع "بيترودفوريتس" للمجوهرات والساعات في عام 1721، وقد نجح  المصنع في فرض نفسه كواحد من رواد صناعة السلع الفاخرة في أوروبا. وقد لعب دورًا حيويًا في فترة الحرب العالمية من خلال تصنيع مكونات دقيقة للاستخدام العسكري. وفي أبريل 1945، تم إنشاء علامة ساعات "بوبيدا" بطلب من الكرملين، وأصبحت حينها أول ساعة تذهب للفضاء على الإطلاق. 

منذ عام 1961، أصبحت الساعات تنتج تحت اسم راكيتا، تيمنًا بإنجاز رائد الفضاء الروسي يوري غاغارين كونه أول من وصل إلى الفضاء الخارجي (بالروسية "راكيتا" - صاروخ). حيث كان معظم الإنتاج عبارة عن ساعات موجهة للمستكشفين الروس في القطب الشمالي، ورواد الفضاء، كما وتم تقديم ساعات عسكرية للجيش والبحرية الروسية، بالإضافة إلى ساعات ميكانيكية للمعصم والجيب للمواطنين الروس. كانت ولازالت جميع ساعات راكيتا تُصنع في منطقة "بيترغوف"، المدينة القريبة من سانت بطرسبرج، روسيا.

بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991، خضعت صناعة الساعات الروسية لتحولات هامة. حيث واجهت راكيتا، مثل العديد من المؤسسات في عهد الاتحاد السوفيتي، تحديات ناتجة عن إعادة هيكلة الاقتصاد والتنافس المتزايد من العلامات التجارية الأجنبية. على الرغم من هذه التحديات، استمرت راكيتا خلال الفترة ما بعد الحقبة السوفيتية في التكيف مع التغيرات في ظروف السوق والحفاظ على تراثها وتبني التحديث. وواصل المصنع إنتاج الساعات الميكانيكية. حيث كانت راكيتا الشركة الوحيدة التي تمكنت من البقاء بعد انهيار النظام السوفييتي، وبعد أن كانت مملوكة للقطاع العام خضعت للخصخصة، مثل الكثير من بقايا الحقبة السوفيتية الأخرى. ومع ذلك، لم يكن تراثها المرموق في صناعة الساعات هو ما جذب الاهتمام؛ بل كان الأمر يتعلق بممتلكاتها العقارية الواسعة، التي تتمتع بموقع استراتيجي على مشارف سانت بطرسبرغ.

سنة 2010 تقدم ديفيد هندرسون ستيوارت، مع بعض المستثمرين من أجل تطوير الشركة، وهو رجل أعمال فرنسي بريطاني من أصول روسية، بدون أي معرفة سابقة بصناعة الساعات. ومع ذلك، فقد كان ثابتًا في إيمانه بجدوى مشروعه، إحياء علامة تجارية روسية فاخرة كبيرة لسوق تهيمن عليه إلى حد كبير السلع الأجنبية. 

من بين ما يقرب من خمسين خط إنتاج لشركة راكيتا، والتي تضمنت خطوط إنتاج جميع المكونات وحتى النوابض الشعرية. تم الحفاظ على خط إنتاج واحد فقط من قبل مجموعة من الموظفين. كانت هذه المجموعة هي التي قابلها ديفيد هندرسون ستيوارت في عام 2010. فإلى جانب مجموعة صغيرة من المستثمرين، والتي ضمت المصمم الفرنسي الروسي المولد "جاك فون بولييه"، استحوذ ديفيد على العلامة التجارية وبنيتها التحتية. والآلات المحدودة المتبقية، لحسن الحظ، بالإضافة إلى خبرة الموظفين تمت حماية جميع أرشيفات وتصميمات راكيتا ورأس مالها الفكري. وعلى هذا الأساس تمكنت الشركة من إعادة بنائها.

لقد ظل المصنع على حاله التي تركها التاريخ، دون أن يمسها أحد، دون تغيير منذ إنقاذه في اللحظة الأخيرة في التسعينيات. لؤلؤة خام تقع في آخر مبنى لا يزال سليمًا لمجمع صناعي ضخم، بحجم قرية كاملة بها مساكن ودور حضانة ومدارس. أنتجت راكيتا  في أوجها سنوات السبعينات ما يصل إلى خمسة ملايين ساعة ميكانيكية سنويًا، وكانت أكبر جهة توظيف في المنطقة تضم عدة آلاف من الموظفين. يوجد الآن ما يقرب من 100 موظف في الشركة وتنتج ما يقرب من 6000 ساعة كل عام.

تركزت عملية إعادة الإحياء حول مفهوم محوري، وهو تجسيد الروح الروسية إلى أقصى حد. و بالاستناد إلى الكتالوج الشامل الذي يعود تاريخه إلى ذروة العلامة التجارية، تم الحصول على التصاميم مباشرة، تم الحفاظ على نفس المحركات وتحديثها، مع عرض اسم راكيتا باللغة الكريلية على المينا، وهو ما يعكس تسميتها الأصلية. ولتحقيق هذه الرؤية، لم يحتفظ هندرسون ستيوارت بالأدوات والآلات شبه اليدوية التي خلفتها العقود الماضية فحسب، بل احتفظ أيضًا بالقوى العاملة المتفانية. 

تجسد حركة راكيتا الميكانيكية التصميم الهندسي الروسي والحلول الأصلية التي طورها المهندسون الروس، والتي غالبًا ما تختلف عن تلك المستخدمة في الحركات السويسرية. علاوة على ذلك، فإن المواد المستخدمة في حركة راكيتا روسية بشكل واضح، حيث تم جلب جميع المكونات المعدنية والجواهر الـ 24 من روسيا. حتى النابض الشعري، وهو القطعة المركزية المعقدة للحركة، مصنوع من مزيج معادن سوفيتية سرية.حيث تساهم هذه العوامل مجتمعة في الصوت الفريد لحركة راكيتا، مما يميزها عن نظيراتها السويسرية. تقوم الشركة بتصنيع معظم المكونات الخاصة بها داخليًا، بالطريقة القديمة بدون CNC، ولا أدوات يتم التحكم فيها بالليزر، ولا توجد تكنولوجيا متقدمة للغاية بل تعتمد على مهارة الموظفين وخبرتهم.

عام 2011، بدأت الشركة مرحلة جديدة، وبإرثها الصناعي الكبير، تعتبر راكيتا من القلائل في العالم القادرين على إنتاج كل أجزاء الحركة الميكانيكية داخليًا، بما في ذلك الأجزاء الدقيقة مثل الزنبرك ورافعة الهروب. خلال عام 2012، واصلت راكيتا عملية إعادة هيكلة، حيث استقطبت بعض الخبراء الأجانب من أجل التجهيز للسوق العالمي. في عام 2015، قدمت العلامة التجارية حركتها الأوتوماتيكية الجديدة العيار 2615.

الحركة عيار 2615 (أفتومات) ليست حركة جديدة تمامًا ولكنها نسخة محدثة من نفس العيار المصمم في منتصف السبعينيات. حيث ان القيود الاقتصادية خلال تلك الفترة حالت دون قدرة العديد من الروس على شراء الساعات اليدوية، خاصة تلك التي تحتوي على نظام تعبئة أوتوماتيكي. وبالتالي راكيتا أعادت هذا العيار، مع تضمين معدات وتشطيبات. لم تتوقف راكيتا عن تحسين وتطوير منتجاتها ففي عام 2019، قامت بتطوير الحركة لتصبح انحف ويقل سمك العلب بمقدار 2 مم، كما وأنشأت الشركة أيضًا قسمًا مخصصًا للتشطيب. 

كل إصدار جديد من ساعات راكيتا يشيد بتصميمات الشركة في فترة الاتحاد السوفياتي أين كانت أنجح فتراتها، اعتمادا على تصميمات محفوظة بدقة. ومما لا شك فيه أن إحدى السمات الأكثر شهرة في صناعة الساعات السوفيتية هي "بيج زيرو" الأيقونية، التي تحل محل مؤشر الساعة التقليدي عند موضع الساعة 12. وقد اشتهرت ساعة  "بيج زيرو" الأصلية بفضل رئيس الاتحاد السوفيتي السابق "ميخائيل جورباتشوف"، الذي ارتدى الساعة في العديد من المناسبات دولية.

تقدم راكيتا منظورًا مميزًا لصناعة الساعات، منظورًا تطور بشكل مستقل دون مجرد تكرار التقاليد الغربية، مما أدى إلى عدد كبير من الساعات الفريدة. 

لمزيد من المعلومات برجى زبارة الموقع الرسمي للشركة.


0 تعليقات