مقال رحلة في تاريخ تعقيدة التقويم الدائم

الهندسة والتطور وراء إحدى أكثر الآليات تعقيدًا في الساعات الميكانيكية

يرجع نظام التقويم الحديث إلى العام 1582. أين قدم التقويم الغريغوري نسبة لمطوره القس "غريغوري" ، حيث اعتبر كتحديث لمعالجة أوجه القصور  في التقويم السابق "التقويم اليولياني". جيث كان يكمن جوهر المشكلة في التناقض بين السنة التقويمية، التي كانت تحسب من 365 يومًا مقسمة إلى 24 ساعة، وسبعة أيام في الأسبوع، والأشهر التي تتكون من 30 أو 31 يومًا، مع تخصيص 28 يومًا لشهر فبراير، مما يؤدي إلى إجمالي 365 يومًا. . ومع ذلك، فإن هذه المدة أقل من السنة الشمسية، وهو الوقت الذي تستغرقه الأرض لإكمال دورة واحدة حول الشمس، والتي تمتد حوالي 365 يومًا وخمس ساعات و49 دقيقة و16 ثانية. ولتصحيح هذا الاختلال، أضاف "غريغوري" يوم 29 فبراير باعتباره يومًا كبيسًا، يحدث مرة كل أربع سنوات. ومع ذلك، فإن هذا التعديل يخلق زيادة، مما يدفع إلى حذف اليوم الكبيس في السنوات التي تقبل القسمة على أربعة ولكن ليس على مئة. ومع ذلك، يتم تجاوز هذه القاعدة في السنوات التي تقبل القسمة على 400. 

كل هذا يقودنا إلى التعقيدة التي نعشقها كثيرًا تعقيدة التقويم الدائم. الآن بعد أن لخصنا مفهوم السنة الكبيسة، يمكننا تقدير التحدي الهائل الذي ينطوي عليه تصميم آلية تشمل التواريخ والأيام والشهور والسنوات، ودورة من 30 إلى 31 يومًا، وشهر فبراير المكون من 28 يومًا، وشهر فبراير المكون من 29 يومًا، ويومًا إضافيًا كل أربع سنوات، باستثناء اليوم الكبيس في كل 100 عام، وإدراج اليوم الكبيس في كل 400 عام، كل هذا في آلية ميكانيكية كانت توضع في الجيب وأصبحت تلبس على المعصم، وهكذا. وفي عام 1762، حقق صانع الساعات الإنجليزي "توماس مودج" المستحيل وقدم هذه الآلية، وكان الظهور لتعقيدة التقويم الدائم، ونعم، تم اختراع التقويم الدائم أولاً قبل التقويم السنوي.

قبل أن نتعمق في الشرح دعونا نوضح أن الفرق بين التقويم الدائم والسنوي في وظائفهم التشغيلية. في حين أن التقويم السنوي يتطلب تعديلاً يدوياً مرة واحدة في السنة لاستيعاب السنة الكبيسة، فإن تصميم التعقيد الدائم يستوعب بطبيعته السنوات الكبيسة. وبالتالي، يمكنه العمل بسلاسة دون الحاجة إلى تعديلات يدوية لفترات طويلة تمتد لمئة سنة. 

عرض التاريخ في الساعات يأتي في خمسة أنواع, التاريخ واليوم، والتقويم الثلاثي (أو التقويم الكامل)، والتقويم السنوي، والتقويم الدائم، ومعادلة الوقت (أو التقويم الدائم EOT). يعتبر الأخيران الأكثر تعقيدًا وتطورًا،  بالنسبة لمعادلة الوقت فهي تعقيدة تتميز بقياس إضافي. وهو الفرق بين "الوقت التقويمي" التقديري لدينا و"التوقيت الشمسي" الفعلي بالدقائق. وهو تعقيدة نادرة في الساعات. ونتيجة لذلك، فإنها تضيف قيمة كبيرة إلى تكلفة الساعة.

كيف تعمل تعقيدة التقويم الدائم؟

تعقيدة التقويم الدائم، بالفرنسية Quantième Perpétuel، آلية معقدة فهي تتضمن ما بين مائة إلى مائتي جزء إضافي ويتطلب تصنيعها أسابيع أو حتى أشهر. ومن غير المستغرب أن يتطلب الأمر قدرات هندسية غير عادية. يختلف تصميم آليات التقويم الدائم بين الشركات المصنعة، ولكنها مبدأ عملها عادةً مبني على عجلة تاريخ تحتوي على اثني عشر جزء. يحتوي كل جزء على كامة دائمة فريدة من نوعها مع علامات مختلفة تتوافق مع طول كل شهر. وتوجد رافعة تضغط على الكامة وتربطها بعجلة التاريخ. اعتمادًا على موضع الرافعة الدائمة بالنسبة لعمق العلامة الموجودة على الكامة الدائمة، تحدد الآلية عدد الخطوات التي يجب أن يتقدم بها مؤشر اليوم في نهاية الشهر.

ويضيف إدراج شهر فبراير طبقة أخرى من التعقيد إلى هذه الآلية. حيث لحساب السنوات الكبيسة، تم وضع قطعة دوارة إضافية أسفل عجلة التاريخ خصيصًا لشهر فبراير. تتكون هذه القطعة عادةً من أربعة أجزاء، تمثل ثلاث سنوات قياسية والسنة الكبيسة التي تحدث كل أربع سنوات. لا تتدخل في عمل الآلية خلال السنوات الثلاث القياسية، بينما يتم ضبط الرافعة الدائمة لتعمل في 28 فبراير، بناءً على عمق العلامات الموجودة على العجلة. ومع ذلك، خلال السنة الكبيسة، يتم وضع الرافعة للتعامل مع علامة مختلفة، وبالتالي تشغيل التاريخ 29 فبراير.

ساعة جيب توماس مودج، أول ساعة بتعقيدة التقويم الدائم، صورة من موقع مزادات سوتبيز

 

يعود تاريخ تعقيدة التقويم الدائم إلى منتصف القرن الثامن عشر. في الواقع، هذه الوظيفة تسبق التقويم السنوي بعقود عديدة. وقد اخترع صانع الساعات الإنجليزي "توماس مودج" أقدم ساعة معروفة ذات تعقيدة التقويم الدائم في عام 1762. وقد صنع "مودج" اسمًا لنفسه في صناعة الساعات في سن مبكرة. حيث اخترع رافعة الهروب الانجليزية في عام 1755. والساعة الأصلية التي صنعها معروضة حاليا في المتحف البريطاني في لندن. بعد اختراع مودج، لم تظهر هذه التعقيدة مرة أخرى لمدة 100 عام تقريبًا. تحديدا في عام 1864، قدمت باتيك فيليب ساعة جيب بتعقيدة التقويم الدائم. واستغرق الأمر 25 عامًا للحصول على براءة اختراع لهذه الآلية تحديدا عام 1889. ومع ذلك، لم يتم دمج هذه التعقيدة في ساعات اليد إلا بعد مرور عدة عقود.

 

إصدار باتيك فيليب المرجع 1526 المصدر من موقع كريستيز

 

كانت باتيك فيليب أيضًا هي من ابتكرت أول ساعة يد بتعقيدة التقويم الدائم في عام 1925، قام أحد هواة جمع ساعات باتيك فيليب يُدعى "توماس إيمري" بطلب أول ساعة يد تتميز بهذه التعقيدة. استخدمت الشركة نفس العيار البالغ حجمه 34.4 ملم والذي استخدم في ساعة نسائية تعلق على الرقبة صنعت عام 1898. واستغرق الأمر عامين لإنتاج الساعة.

 

عيار 2120/2800 من جيجر لو كولتر، بتعقيدة التقويم الدائم

 كانت بريغيه هي العلامة التجارية التالية التي قدمت ساعة يد ذات تقويم دائم، وذلك في عام 1929. وكانت حركتها المدمجة أصغر من حركة باتيك فيليب، بقياس 22.5 ملم فقط. تلتها جيجر لوكولتر بعد عدة سنوات عام 1937. وتوالت الشركات بعد ذلك. 

كانت معظم الساعات بتعقيدة التقويم الدائم عبارة عن إصدارات محدودة جدا. ولم تبدأ وتيرة الإنتاج في الارتفاع إلا في الأربعينيات من القرن العشرين. وبعد ذلك، لم تبدأ أولى ساعات التقويم الدائم  بمحرك أوتوماتيكي في الوصول إلى السوق إلا في ستينيات القرن العشرين. وكانت باتك فيليب أيضًا أول من ابتكر تقويمًا دائمًا بحركة ذايتية التعبئة وذلك في عام 1962 بالمرجع الأيقوني 3448.

باتيك فيليب 3448، مصر الصورة من موقع مزادات فيليبس

 جاءت لحظة مهمة أخرى لتعقيدة التقويم الدائم في عام 1985. حيث حققت "آي دبليو سي" أحد أهم التطورات  التقنية في هذه الآلية. بتصميم الشركة لعيار يستخدم تاجًا واحدًا فقط للتعديل. والاستغناء عن الدوافع الإضافية.

ساعة ديبيتون  دي بي 25 بتعقيدة التقويم الدائم

على مر الزمن، أصبحت تعقيدات التقويم الدائم مرادفة للفخامة والرقي. تنافست دور صناعة الساعات على صنع ساعات تقويم دائم أكثر تعقيدًا ودقة. وقد ساهمت العديد من الابتكارات في تعزيز وظائف هذه الساعات وموثوقيتها. وتستمر تعقيدات التقويم الدائم في جذب المتحمسين لمزيج من التقاليد والابتكار. لقد أدت المواد المتطورة والتصميم بمساعدة الكمبيوتر وتقنيات التصنيع الدقيقة إلى رفع ساعات التقويم الدائم إلى آفاق جديدة من التميز.

اليوم، هناك مجموعة متنوعة من ساعات التقويم الدائم. من الساعات الرسمية الكلاسيكية إلى الكرونوغراف الرياضية، تظل تعقيدة التقويم الدائم رمزًا للأناقة والرقي والجمال الخالد. حيث يعتبر تاريخ تعقيدة التقويم الدائم شهادة على السعي لتحقيق الدقة والإتقان.


0 تعليقات